بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

الدولة لا تتحمل مسؤولية أزمة أنظمة التقاعد



مركزتيفاوت الإعلامي

أكد محمد العلوي العبدلاوي، المدير العام للصندوق المغربي للتقاعد، على الطابع الاستعجالي لإصلاح أنظمة التقاعد، مُشيرا إلى أن الصندوق بدأ فعليا في استهلاك مخزون الأمان، وأنه إذا استمر الوضع على حاله ولم تتخذ أي تدابير إصلاحية، فإنه سيتم استنفاد محفظته المالية سنة 2022.  وأضاف العبدلاوي في حوار مع "الصباح" أن الدراسات الأكتوارية أظهرت على أن تحقيق الأهداف المتوخاة من الإصلاح يتطلب مراجعة دفعة واحدة العناصر الثلاثة التالية: السن ونسبة الاشتراكات ومستوى المعاشات. وأبرز أن التركيز فقط على عنصر واحد منها سيؤدي إلى ثلاث نتائج، إما رفع سن التقاعد إلى 77 سنة، أو ارتفاع نسبة الاشتراكات إلى 50 في المائة، أو تخفيض مستوى الخدمات
بنسبة 50 في المائة، وهو ما لا يمكن أن يقبله أحد، وبالتالي فإن الحل يكمن في البحث عن توليفة ملائمة بين هذه المقاييس. في ما يلي نص الحوار:

سبق أن حذرتكم من إمكانية اللجوء إلى "مخزون الأمان" للنظام التقاعد الخاص بالموظفين، كيف تقيمون الوضعية الحالية للصندوق؟
لقد بدأنا في "استهلاك" مخزون الأمان، فعليا. العجز المتوقع لسنة 2014 تمت ملاحظته على أرض الواقع عجزا تقنيا مع تنبيه أولي في متم سنة 2013 (خلال شهري أكتوبر ونونبر). وبرز هذا العجز بطريقة أكثر حدة و بنيوية ابتداء من فبراير 2014، إذ بلغ خلال سبعة أشهر الأولى من العام الجاري 450 مليون درهم. ويُتوقع أن يصل إلى 700 مليون درهم في متم السنة الجارية (2014). إن النظام بدأ عمليا، خلال هذه السنة، في استغلال محفظته المالية، وإذا استمر الوضع على حاله ولم تُتخذ أي تدابير إصلاحية، فإنه سيتم استنفاد المحفظة المذكورة سنة 2022.

ما هو سر التشبث بالآليات المقياسية في إصلاح أنظمة التقاعد (سن الإحالة على التقاعد ومعدل القسط السنوي ومعدل الاقتطاعات)، رغم أن النقابات لا تتردد في وصفها بالثالوث المشؤوم؟
إذا كان ثمة آليات أخرى أكثر نجاعة تُسعفنا في إصلاح أنظمة التقاعد، فلن نتردد في اعتمادها. مشكل نظام المعاشات المدنية بنيوي، يتجلى في اختلال هيكلي في توازنه، بحيث لا يوجد توازن بين قيمة المساهمات وما يحصل عليه المستفيد. وإذا لم نعالج هذا الاختلال، فإن المشكل سيبقى قائما.
هنا، أود أن أشير إلى الأهداف المؤطرة للإصلاح المعلوماتي لنظام المعاشات المدنية المسير من طرف الصندوق المغربي للتقاعد الذي بدأت توازناته تعرف اختلالا انطلاقا من السنة الجارية، والتي تستهدف، أولا، توحيد القطب العام على المدى المتوسط، ثم إرساء النظام الوحيد على الأمد البعيد، وفقا للسيناريو المقترح من طرف اللجنة الوطنية، ثانيا يجب أن يضمن هذا الإصلاح، في آن واحد، تعريفة عادلة ومنصفة للحقوق مع الوفاء بالالتزامات المستقبلية للنظام، ذلك أن الدراسات الأكتوارية أظهرت أن السبب الرئيسي لإشكالية النظام تكمن في سوء التعريفة الحالية للحقوق. وهذا الاستنتاج أكده بشكل صريح المجلس الأعلى للحسابات في تقريره سنة 2013. ويقضي الهدف المؤطر الثالث إلى تمديد أفق ديمومة النظام لمدة كافية، على الأقل10 سنوات وذلك لضمان الوقت الكافي لتفعيل الإصلاح الشمولي والتقليص من مستوى الدين الضمني لنظام المعاشات المدنية الذي يعد ضروريا حتى يتسنى إنجاح القطب العام المرتقب إرساؤه.
الدراسات الأكتوارية أظهرت على أنه للتمكن من تحقيق الأهداف المذكورة، ، يجب مراجعة دفعة واحدة العناصر الثلاثة التالية: السن ونسبة الاشتراكات ومستوى المعاشات. ذلك أن التركيز فقط على عنصر واحد منها سيؤدي إلى ثلاث نتائج، إما رفع سن التقاعد إلى 77 سنة أو ارتفاع نسبة الاشتراكات إلى 50 في المائة أو تخفيض مستوى الخدمات بنسبة 50 في المائة وهو ما لا يمكن أن يقبله أحد، وبالتالي فإن الحل يكمن في البحث عن توليفة ملائمة بين هذه المقاييس.
وهكذا، اقترحت الحكومة سيناريو للإصلاح وهو عبارة عن توليفة من الإجراءات التي تهم أولا رفع سن الإحالة على التقاعد من 60 إلى 62 سنة ابتداءً من 2015، ثم إلى 65 سنة بشكل تدريجي انطلاقا من سنة 2016 بزيادة 6 أشهر عن كل سنة نحو بلوغ سقف 65 سنة في أفق سنة 2021، مع إمكانية الإحالة على التقاعد بعد 41 سنة من الخدمة، وثانياً زيادة 8 نقط تدريجيا في نسبة المساهمة ابتداءً من فاتح يناير 2015، لتنتقل هذه النسبة من 20 في المائة حاليا إلى 28 في المائة في سنة 2016، وثالثاً تحديد نسبة الأقساط السنوية في 2 في المائة بالنسبة إلى الحقوق المستقبلية و الإبقاء على نسبة 2,5 في المائة بالنسبة للحقوق السابقة، وأخيراً احتساب معاش التقاعد على أساس متوسط الأجرة لثماني سنوات الأخيرة، بشكل تدريجي على مدى 4 سنوات (زيادة سنتين عن كل سنة).
وهنا يجب التأكيد بشكل قاطع على أن معاشات المتقاعدين الحاليين لن تكون مشمولة بهذا الإصلاح كما أن مدة الخدمات المنجزة قبل تاريخ الإصلاح سيتم احتسابها وفق الطريقة المعمول بها قبل تاريخ دخول الإصلاح حيز التنفيذ أي 2،5 في المائة عن كل سنة خدمة.
ويشار كذلك إلى أنه لا يمكن أن نجعل رفع سن الإحالة على التقاعد اختياريا لأن ذلك سيمس فلسفة النظام المبني على مبدأ التوزيع. وهذا المبدأ يستند على التضامن داخل الجيل الواحد وبين الأجيال. وفي حالة اعتماد المقاربة الاختيارية، فسيصبح هذا المبدأ يقوم على المصلحة الفردية بدل المصلحة الجماعية.

ألا ترون أن الدولة ساهمت بقسط كبير في تأزيم وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، وأنه كان بالإمكان تفادي الوضعية الحالية لو التزمت بأداء ما في ذمتها؟
هذا الطرح غير صحيح، لأن الدولة تعمل على تطبيق مقتضيات القانون الخاص بنظام المعاشات المدنية، ذلك أنها قامت وتقوم بأداء ما في ذمتها من مستحقات، حيث أدت مجموع متأخراتها لفائدة الصندوق، ابتداء من سنة 2005، والبالغة 11 مليار درهم، وهي مستمرة في أداء بانتظام مساهماتها مشغلا برسم النظام المذكور.
والأكيد أن الإشكالية لا تتعلق بالدولة بقدر ما تتعلق بسوء تعريفة النظام نفسه، إذ مقابل درهم واحد يؤديه المنخرط، فإنه يتقاضى درهمين معاش، وهو ما يضاعف الالتزامات المستقبلية للنظام التي وصلت حاليا 680 مليار درهم. وبالتالي، فالحاجة ملحة إلى تقويم التعريفة المذكورة من خلال القيام بإصلاح معلماتي للنظام التوزيعي الحالي بشكل يمكن من استعادة توازنه المالي من أجل ضمان حقوق الأجيال المقبلة من المتقاعدين. ويشار في هذا الصدد إلى أن المجلس الأعلى للحسابات أكد في تقريره سنة 2013 المتعلق بأنظمة التقاعد الوطنية على أن الإشكالية القائمة هي أساسا إشكالية بنيوية.

كيف يمكن ضمان عدم العودة إلى الوضعية نفسها في حال لم يتوفر الصندوق على إستراتيجية عمل طويلة المدى؟
هنا لا بد من الإشارة إلى أن أي سيناريو لا يعطي أملا بإعادة التوازن المالي للنظام في أفق 50 سنة، فهو سيناريو غير جاد وغير ناجع. وفي هذا الإطار، فإن السيناريو المقترح من طرف السلطات العمومية، في حال اعتماده، سيسمح بتقليص الدين الضمني بنسبة 70 في المائة، وتأجيل تاريخ بروز العجز الكلي بـ8 سنوات (2031) مع إعادة التوازن المالي للنظام في أفق 52 سنة. وغني عن البيان، أن الإصلاح المعلوماتي لن يحل بشكل جذري الإشكالية المطروحة، إذ يعتبر فقط مرحلة أولى في انتظار الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد الوطنية، علماً أن كل تأخير في الإصلاح يزيد من تفاقم العجز أزيد من 20 مليار درهم سنويا ويجعل الإجراءات الواجب اتخاذها صعبة التحمل سواء على مستوى الدولة، أو على مستوى المنخرطين.

يشترط الفرقاء الاجتماعيون مساهمة الدولة في تحمل قسط من عبء الإصلاح، وذلك للتخفيف من وقع الإجراءات المقياسية على وضعية الموظفين المادية، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
لا يمكن أن يكون الصندوق إلا محايدا بين الطرفين، فالهاجس الأساسي بالنسبة إلى الصندوق هي أن تستمر خدماته لفائدة شريحة المتقاعدين، لكن الواقع يُفيد أن السيناريو المقترح سيكلف الدولة نفقات إضافية جد هامة تقدر بما يناهز40 مليارا.

أجرى الحوار: جمال بورفيسي

ليست هناك تعليقات: