بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 24 أكتوبر 2015

في نقد الخطاب المبرر للفساد

في نقد الخطاب المبرر للفساد
مركزتيفاوت الإعلامي
عبدالله الحلوي
قبل حوالي سنتين، أدلى السيد حرزني، المثقف الحقوقي المشهود له والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أدلى في معرض حوار أجرته معه جريدة وطنية بتصريحات خطيرة حول تصوره للفساد. والمفاجئ في هذا التصريحات أنها لم تثر أي نقاش عمومي عميق حول طبيعة الفساد وخطورته وطرق مواجهته، رغم أن خطاب السيد حرزني كان يبرر الفساد أو على الأقل يعتبره شرا لا بد منه في بعض مراحل تطور المجتمع. سأعود في هذا المقال إلى تصريح حرزني لأنتقد مسلماته وأدافع عن التصور التقليدي القائل بأن الفساد شر اجتماعي ينبغي محاربته بدون تردد.

تصور حرزني للفساد

ينبني تصور حرزني لظاهرة الفساد في المغرب على ثلاث مسلمات لا أتفق مع أية واحدة منها وهي:

أولاـ تسليمه بأن "الفساد عبارة فضفاضة وستكون كذلك إذا لم نحدد بالضبط ماذا نعني بها، ومن هم أصحابها."

ثانياـ تسليمه بأن الفساد قد يكون ضروريا للتقدم: "التقدم لن يكون إلا إذا حصل تراكم في الامكانيات والثروات عند فئة من الناس، وفي أغلب المناسبات لا يكون ذلك التراكم بوسائل نقية مائة بالمائة. معنى هذا الكلام أن الفساد في التاريخ البشري يعتبر بمثابة السماد الذي تنبت فوقه أزهار النمو الاقتصادي."

ثالثاـ تسليمه بأن كل ما نستطيع أن نفعله إزاء الفساد في المغرب "هو القيام بتقليم أظافر الفساد بصفة دورية ومنتظمة، كلما أحسسنا أنه تجاوز حجمه الطبيعي وزاغ عن مكانه وأصبح يعرضنا لمخاطر جمة."

لنتأمل في هذه المسلمات التي بنى عليها حرزني تصوره المتساهل مع الفساد واحدة واحدة:

نقد مسلمة حرزني الأولى

هل صحيح أن مصطلح "الفساد" مصطلح فضفاض؟ وصف حرزني لمصطلح "الفساد" بأنه فصفاض هو وصف ملتبس يحتمل تأويلين اثنين: أولهما: أن مصطلح "الفساد" فضفاض من حيث معناه الإصطلاحي (وهذا هو التأويل التقني) ، وثانيهما أن مصطلح "الفساد" فضفاض من حيث استعماله في بلدنا إذ لا نعرف من الذي ينبغي أن يوصف به (وهذا هو التأويل السياسي). والواضح أن حرزني يتعمد اللعب على هذا الإلتباس حتى يعوِّم الجدال في مسألة الفساد بين نقاش تقني محض ونقاش سياسي مباشر.

لنفترض أن حرزني يعني أن مصطلح "الفساد" مصطلح فضفاض اصطلاحيا. لكن هل هذا صحيح؟

لنعتبر مثلا التعريف الذي يقدمه "المعجم التجاري (Business Dictionary ) لهذه الظاهرة:الفساد عمل خاطيء يقدم عليه من له سلطة أو طرف قوي بأسلوب غير مشروع أو غير أخلاقي أو غير منسجم مع المعايير الأخلاقية . عادة ما يكون الفساد نتيجة للتحكم كما يكون مرتبطا بالرشوة."

ينطبق هذا التحديد على كل مظاهر الفساد التي نعرفها في المغرب من الرشوة التي توضع في يد المقدم إلى استغلال الموارد الطبيعية والمرافق السوسيو اقتصادية عن طريق الصفقات المشبوهة. فكل مظاهر الفساد هذه تتضمن إساءة استعمال للسلطة والنفوذ، وكلها تتضمن مسلكيات غير مشروعة وغير أخلاقية كالرشوة والزبونية والمحسوبية والغش والتزوير والتهرب من المحاسبة ومقاومة النزاهة والنزهاء. لذلك، فإننا إذا استعملنا هذا التعريف البسيط والواضح للفساد (أو أي تعريف آخر قريب منه) سنستطيع أن نحدد مفهوما قريبا من الدقة نرصد به المسلكيات والفاسدة وندينها به.

لنفترض الآن أن حرزني يقصد بأن مشكلة الفساد في بلدنا هي أننا لا نملك الجرأة على تسمية الفاسدين والفاسدات. ننشر لوائح المستفيدين من قطاعات بعينها دون أن نشير إلى أسماء المستفيدين منها ودون أن نتابعهم قانونيا لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المفسدين والمفسدات.

إذا كان هذا ما يقصده حرزني، فعليه أن يصرح بدون غموض أو التباس أن مشكلة الفساد في المغرب هي مشكلة شجاعة سياسية وأن الحكومة اليوم لا تملك الشجاعة لفتح ملفات الفساد الحقيقية التي كان كثير من أعضائها إلى وقت قريب يرفعون شعارات ضدها ليعلنوا الآن، ليس فقط التغاضي عنها، بل التحالف السياسي معها.

خلاصة القول إذن أن مصطلح" الفساد" ليس فضفاضا .. الفساد شر واضح المعالم يحتاج إلى سياسة شجاعة تواجهه واضحة المعالم

نقد مسلمة حرزني الثانية

لننطلق الآن إلى مسلمة حرزني الثانية. ينطلق حرزني من قراءة كارل ماركس التي ترى أن تشكيل برجوازية وطنية لا بد أن يمر بمرحلة تتم فيها مراكمة الثروة بشكل بدائي يخترقه الفساد وعدم تطبيق القانون. ويرى أيضا أن الحسن الثاني كان ينتهج هذه السياسة بالتغاضي عن كثير من مظاهر الفساد لتكوين برجوازية وطنية تعوض نفوذ المعمِّر وتشكل أساسا صلبا للإقتصاد الوطني .. إلا أن الحسن الثاني عاد في الثمانينات لشن حملات "تطهيرية" بعد أن لاحظ أن الفساد وصل مستويات لا يعود من الممكن التساهل معها.

إن تعامل حرزني غير النقدي مع الفكر الماركسي جعله يفترض أن تحليل ماركس لتراكم الثروة تحليل تاريخي صحيح رغم أن كل المعطيات التاريخية تكذبه. فعندما نقوم بقراءة تاريخية للشكل الذي تراكمت به الثروة بالفعل في تاريخ أوروبا الغربية (راجع مثلا ما كتب عن جوسيا ويدكوود مطور صناعة السيراميك) نجده أن هذا التراكم كان دائما مسنودا بتطبيق العلم في الصناعة وترسخ قيم الإبتكار في المجتمعات الغربية. فقد كان كثير من المخترعين والمصنعين والفنانين يجمعون بين مراكمة المعارف العلمية والبحث في طرق استثمارها في مجالات عملية مختلفة استثمارا مبتكرا. فما كنا ننتظره من مثقف حقوقي مثل حرزني هو أن يذكر العامة من الناس هو الإحتياج الأساسي لمجتمعنا المعاصر هو الإسنثمار المبتكر للتكوين العلمي .. لا أن يشجعهم ضمنيا على الفساد بدعوى أنه ضروري لمراكمة الثروة!

إن مما لا يعرفه الكثيرون أن مواد التجارة والتسويق كانت تدرس في جامعات ومعاهد الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحربين العالميتين لا كمواد قائمة بذاتها، بل كدروس ضمن مادة الأخلاق. لذلك فكل المفاهيم التي تنبني عليها تصورات الحكامة الجيدة جاءت من الفهم الأخلاقي لممارسة البزنس في عالم اليوم. فمما يميل السياسيون إلى نسيانه دائما أن مفاهيم "الحكامة الجيدة" و"المحاسبة" و"الشفافية" التي لا يمكن أن تتراكم الثروة إلا بها هي مفاهيم أخلاقية بالأساس.

إن مراكمة الثروة حتى في مراحلها الأولى لا يكون بالتساهل مع الفساد والمفسدين بل بنشر ثقافة الإبتكار في التربية والتكوين والبحث العلمي ومجالات خلق الثروة، على أن تُدعم هذه الثقافة الإبتكارية بتخليق غير متحفظ لإنتاج الثروة وتدبيرها. ربما لا يعرفها حرزني.

نقد مسلمة حرزني الثالثة

ماذا عن مسلمة حرزني الثالثة. يرى المثقف الحقوقي أن الفساد لا يمكن اجتثاثه من جذوره إذ كل ما يمكن أن نفعله إزاءه هو أن نشن ضده حملات قوية كلما وصل بنا إلى مستويات غير مقبولة. السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على حرزني هو: هل يمكن بالفعل أن تؤثر الحملات الموسمية في الفساد إذا ما أعطيناه الفرصة لأن يتحول إلى مكتسبات قد تدافع عنها النقابات وبعض الفئات الإجتماعية؟ فاستشراء الفساد ليس مجرد انتشار كمي لوباء اجتماعي بل هو أيضا ترسخ كيفي لثقافة فاسدة تخلق قيمها ومعاييرها الفاسدة الخاصة بها بشكل تلقائي حتي تصبح الرشوة "مساعدة على قضاء الحوائج"، و الغش شكلا من أشكال المقاومة والدفاع عن النفس، ويصبح التلاعب بالوثائق والصفقات العمومية نوعا من "الواقعية العملية"، ويصبح تزوير الإنتخابات نوعا من أنواع "تدبير الأمن السياسي"...

إن رفض مواجهة الفساد بشكل جذري ومباشر هو نوع من التساهل مع الفساد سيوصلنا إلى مرحلة نضطر فيها إلى البحث عن أفضل طريقة لتدبير الفساد وتوزيع ريعه بشكل "عادل" على المواطنين! فإذا سمحت لبعض الفئات بالفساد فإن فئات أخرى ستعترض على عدم استفادتها مما تدره هذه البقرة الحلوب من ريع لا يحتاج إلى استثمار المجهود أو شحذ الملكات الإبتكارية بقدر ما يحتاج إلى قليل من المكر وكثير من الخِسّة… مما يؤدي في نهاية الخط إلى تحويل المجتمع آلة لصناعة الغش والخداع والكذب في كل شيء.

خلاصة

إذا كان للسياسي بعض التحفظ أو التردد في محاربة الفساد لأسباب پراڭماتية أو تككتيكية أو استراتيجية، فتحفظه وتردده متوقع منه لأنه سياسي في خدمة الأجندة السياسية لحزبه ... أما أن أما إذا هبط المثقف إلى هذا المستوى من التحفظ والتردد، فإن هبوطه لن يكون سوى مؤشر خطير على تدني قيم الطليعة المثقفة في بلدنا!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

شكرا للاستاد ياسيدي العزيزكل مرتكزات السياسات العمومية ببلدنا مبنية على اسس الفساد اوله واخطرهم العدالة محكمة تارودانت مثلا الاحكام في برصة ولها وسطاء مكشوفين صنادق التقاعد تتملص من حقوق المواطنين وتلقي بخزائنها في جيوب الصهيونية الجاشعة في بنايات من فنادق ومنتزهات ولا تستغل حتى من طرف الباطرونة الوطنية البليدة عدم مراقبة مشارع تنموية التي ما ان تنتهي الاشغال حتى تتوقف ثم يظهر لك الواقع السياسي المغربي كانك تتابع فيلم عادي للمافيا الإطاليا لا رقابة ولا محاسبة إما ان تنخرط في المزيد من الفساد ام ان تبتعد للمزيد من التفقير والتهميش مثل اغلبية الشعب
فلا سياسيين ولا نبلاء الكل منخرط بالمباشر او بغير المباشر فالعقيدة الاولى لاغلبية المغاربة هي الفساد حسب الواقع الحقيقي وليس الخيالي