بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 فبراير 2015

مغرب ما قبل فرنسا وما بعد فرنسا


مغرب ما قبل فرنسا وما بعد فرنسا
مركزتيفاوت الإعلامي
أحمد الدغرني

بات من المقرر لدى الباحثين أن فرنسا لها ما قبلها في تاريخ المغرب، غير أن السؤال الذي نطرحه، هنا والآن،: هل سيكون لهذا البلد ما بعده بالمغرب؟

المقصود بما قبله هو فترة ما قبل سنة 1912 حيث كان المغاربة يعرفون إسبانيا والبرتغال داخل القبائل والمدن والصحارى والموانئ، وقليل من يعرف فرنسا منهم، وما بعده نعني به معرفة الوقت الذي ستنتهي فيه فرنسا بالمغرب، أوستبقى فيه إلى ما لا نهاية، قد لا يمكن الآن تصور نهاية فرنسا كما انتهى البرتغال والرومان والوندال وغيرهم بالمغرب، ولهذا سنتناول الموضوع بمنهاج بنيوي ومتشابك ومركب هو الذي سيتيح بعض فرص الفهم الصحيح لما يجري الآن وما سيقع مستقبلا.

وسنخلص في المقال إلى أربع إشارات أولا ها ترجع الى تمركز لغتها في مجتمع المغرب، ففرنسا ربطت وجودها في البلدان التي كانت تحت سيطرتها منذ دخولها إلى شمال إفريقيا (بدأت من الجزائر سنة 1830 ثم عمت تدريجيا كل شمال إفريقيا والساحل) بوجود لغتها، ولم تعتمد مثلا على دينها ولغتها معا، مثل ما فعل الأمويون ومن جاء بعدهم من ملوك بغداد ودمشق وولاتهم في القرن الثامن الميلادي الى شمال إفريقيا، وثانيتها الى أن فترة الاستعمار في أوروبا ارتبطت بالثورات ضد الدين، وتأسيس الأنظمة الحاكمة على اللائكية Laïcité وكان من نتائجها تهجير أقدم دين سماوي متصلب في أوروبا إلى إسرائيل سنة 1948 بسبب ارتباط دين اليهود بأنسابهم التي لا يمكن محوها إلا بسياسة هتلر التي لا يمكن تطبيقها في أوروبا بعد جهنم الحرب العالمية الثانية.

لهذا المقال مناسبتان: الأولى هي حلول الذكرى السنوية الرابعة لحركة 20 فبراير، وثانيتها هي ما سمي بتوتر La brouille علاقات المخزن المغربي مع فرنسا خلال سنة 2014 فما بعده، والتي اختصرها بعض الناس قصدا وتمويها(مثل وزارة العدل ومن يرقص لمواقفها) في حادث عابر ليس له أهمية وهو تقديم شكاوى يصعب إثبات ما ورد فيها مسبقا أمام القضاء، ضد بعض مسؤلي المحيط الملكي (منير الماجدي) ومدير المخابرات السياسية المغربية (الحموشي) لدى قضاء التحقيق بباريس، وتحركات بعض الرجال المنفيين المغاربة (لا تعرف من بينهم امرأة) إلى فرنسا مثل ( زكريا مومني، البارودي، الكبتان أديب، هشام الدليمي، الكولونيل الطوبجي..) ونشر بعض المقالات عن القصر ومحيطه بواسطة الكتب مثل بروكسي Omar Brouksy، وعلي عمار، ومولاي هشام ، وكراسي Eric Laurent-CathrineGraciet وجيل بيرو Gilles Perrault ومقالات الصحافة مثل قضية Suissleaks المتعلقة بتهريب الأموال إلى الخارج)، وثالثها تشير إلى أن هذا التوتر في طبيعته مخزني وليس شعبيا، وذو طبيعة فوقية يتعلق بسلوكيات وأسرار سياسية واقتصادية يصعب تناولها ومعرفتها على عامة الناس لأنها أصلا مكتوبة ومنشورة بالفرنسية وممنوعة في المغرب، ولا يهتم المستعربون المغاربة بترجمتها بسبب تأثير غلبة الحروب والاضطرابات على ثقافة ومطابع الشرق الأوسط.

ورابعتها كان سوء علاقات فرنسا مع المخزن المغربي واضحا من خطب فرنسوا هولا ند أثناء زيارته الأولى والأخيرة (3-4أبريل2013) للمغرب (كانت حوالي أربعة خطب مطولة لايمكن فهم مايجري بدون مراجعتها) حتى الآن للمغرب حيث أعلن وهو يخطب على برلمان الوقت بالرباط أن" فرنسا خائفة"، بعد أن فقدت درجتها الأولى في تصدير بضائعها إلى المغرب، والتي نزعتها منها إسبانيا سنة 2013 وتحتفظ بها حتى الآن.

فرنسا تريد بالإضافة الى اللغة والتجارة أن تحتفظ بتواصل برؤس الجيش والمخابرات احتياطا من دوائر الزمن،(لجوء الجينيرال دو ديفزيزن بناني إلى فرنسا للعلاج بعد عزله مباشرة من قيادة القوات المسلحة وتمركز جديد للمعارضين للنظام المغربي بفرنسا) ولا يخفى أن تغطية السياسة بالأمراض والملفات القضائية إنما هو تعامل مع عقول بسطاء الناس، لأن الأمراض والشيخوخة لا تحول دون الرئاسة والملك في الدول المتخلفة سياسيا (الجزائر مثلا)، وجوهر مشكلة فرنسا هو تنافسها مع إسبانيا (مثلا ترشيح الحموشي في إسبانيا بوسام اضطرت فرنسا إلى تقليدها بأحسن منها في فبرايرسنة2015) في الوقت الذي لم يوشح أحد من الخارج رؤساء الأمن الآخرين (حسني بنسليمان وياسين المنصوري، وبوشعيب الرميل والجينيرال العنيكري الضحية معطوب حادثة السير الذي بدأ سياسة محاربة الإرهاب سنة 2003...والجينيرال حدو حجار مثلا)، وحتى تغطية العلاقات السياسية الفرنسية المغربية بالإرهاب تدخل في نطاق التغطية عن الواقع الحقيقي، لأن ملفات الإرهاب التي تقدم إلى القضاء المغربي تحررها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني، ووزير العدل المغربي يصرح علانية أنه انتصر على ماسماه "دولة القضاة" (جريدة الصباح يوم13/2/2015)، ويمكن لوزير داخلية فرنسا أن يعلن أيضا انتصار سياسته على قضاء التحقيق بمحكمة جنايات باريس بعد نهاية تجديد اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين، مع العلم أن القضاة في مصر وتونس وليبيا والعراق ساهموا في تنفيذ جزء مهم من تغييرات الأنظمة الحاكمة قبل سنة2011 واكتسبوا في المغرب حق تأسيس الجمعيات في دستور سنة 2011 وأصبحوا طرفا مهما يعبر عن مطالب إصلاحية تعزز مطالب الشعب ككل.

لقد بُنيت سياسة فرنسا اللغوية بالمغرب وكل الدول التي تستعمرها على خلق أجيال من الناطقين بالفرنسية يصبحون تدريجيا حكاما لبلدانهم كما يصبحون موجهين للأيديولوجية والعقائد والأحزاب، ويجعلون هذه اللغة رسمية في دساتير دول إفريقيا التي رسمتها فرنسا على خريطة العالم، وتعتمد في تطبيق هذه السياسة غالبا على نخب الكتاب والمؤلفين والتجار والبيروقراطيين والضباط الأمنيين والعسكريين (موريتانيا ، السينيغال، وساحل العاج ،تشاد، الكاميرون ،مالي، بوركينافاسو، النيجر،غينيا والكونكو.. كما تعتمد على ضباط قدماء الجيش الفرنسي بالمغرب والجزائر،رواندا ، بينين) لكن قوة بترول الشرق الأوسط ودول الخليج وليبيا بدلت قواعد اللعبة السياسية، بإسقاط أنظمة القوميين العرب (صدام، الكدافي،حسني مبارك، بنعلي،علي صالح) ولم يبق منهم إلا بشار الأسد، الذي لازال يحاول البقاء في منحدر السقوط، ومن نتائج تبديل اللعبة ظهور تنظيم القاعدة الذي أنشأه الثري السعودي أسامة بن لادن، واستطاع بثروة البترول أن يستقطب عناصر التنظيمات الشعبية في البلدان غير البترولية مثل مصر وفلسطين ولبنان وأفغانستان ومناطق من شمال افريقيا والسودان..

ومشكلة فرنسا الكبرى هي أن لغة الإسلام الخليجي المتحكم هي الانجليزية، ولغة الشيعة القوية هي الفارسية ،ولغة الإسلام الانتخابي الليبيرالي هي التركية ،(لاحظوا تزايد عدد الطلاب المغاربة في تركيا من عائلات الاسلاميين) ولذلك سوف تضعف الفرنسية ومعها مصالح فرنسا مع تصاعد حكم منظمات الإسلام السياسي بالانتخابات أوبالعنف أو بما يفرضونه من الأساليب، وتعتبر الدولة الإسلامية (داعش)التي نشأت بالعراق والشام أكبر مشروع سياسي لوضع بديل حقيقي لسقوط أنظمة حكم القوميين العرب، وهذا هو ما يفسر تحول الأمازيغ في شمال افريقيا والساحل الى لغتهم الأصلية وفرضهم دسترتها أثناء سقوط تلك الأنظمة ابتداء من سنة2011 وهو الشئ الممكن والمفروض بعد ظهور قوة الأتراك والإيرانيين، والأكراد والأقباط، والطوارق ، وغيرهم من شعوب العجم ، ويكفي أن نشير إلى تطور النفوذ الإيراني والتركي داخل مواقع القوميين العرب بتصاعد سيطرة حزب الله في سوريا ولبنان، وسيطرة الحوتيين على الحكم في اليمن، ويفسر أيضا دعوات بعض البيروقراطيين والمخططين لسياسة التعليم بالمغرب الى التراجع عن استعمال الفرنسية وتبديلها بالانجليزية، وهي أطروحة لم تجد معارضة شرسة داخل أوساط من يوجهون التعريب والفرنسية بالمغرب، وأيضا ظهور تيار تعليم الدارجة في مخطط المجلس الأعلى للتربية الوطنية الحالي.

كانت فرنسا قد استنفذت لعب كل أوراقها السياسية في المغرب أثناء رئاسة جاك شيراك ثم بعده ساركوزي لمدة17سنة(1995-2012)، وذلك بإرجاع كل المقيمين المعارضين للمخزن المغربي إلى بيت الطاعة بصفقات وملفات عديدة مع الحكم تحتاج الى موسوعة سياسة كبرى(السرفاتي، مومن الديوري، النضراني، الفقيه البصري ومن معهم كثير...وتشجيع تكوين المجلس الأعلى للهجرة الذي يرأسه حملة جنسيتها مع الازدواجية مع المغربية، وتأليف حكومة عبد الرحمان اليوسفي أحد أقدم اللاجئين المغاربة بفرنسا) ولم يكن من الممكن التنبؤ بما سيقع بالشرق الأوسط وشمال افريقيا ابتداء من سنة 2011 بما في ذلك رجوع الحزب الاشتراكي الفرنسي الى الحكم بفرنسا (ماي2012) بسبب فقدان اليمين الفرنسي لدعم الأنظمة التي سقطت بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتصاعد ما أصبح يعرف بالإسلام الفرنسي الذي يستثمر قوانين الحريات العامة الفرنسية أكثر مما يمكن أن يفعله في دواخل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويستثمر هجرة الفقراء والأدمغة الى فرنسا مما يعصف بالثورة الدينية الفرنسية ضد المسيحية في القرون الماضية.

تزامن توتر العلاقات الفرنسية المخزنية سنة 2014 مع بروز قوة حزب العدالة والتنمية وحلفائه في مقاعد السلطة والإدارة، وكان العامل الرئيسي في تلحيم التحالف الحاكم هو ما يسمونه "محاربة الإرهاب" ودعم الحكومة الفرنسية لهم، لكن هذه المحاربة أدت إلى كون نتائج قوة الحكم الاسلاموي للمغرب هي تزايد عدد ملفات الإرهاب 147 قضية سنة 2014 أي بزيادة تفوق129بالمئة ( تصريح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط نشر بجريدة المساءعدد2605يوم13/2/2015)، وأيضا تقوية الإسلام الفرنسي داخل فرنسا بهدف سياسي هو تكييف الديانة مع الوجود الفرنسي في إفريقيا، وختاما فانه لاشك أن هذه الإشارات إنما تهدف الى محاولة تركيب الأحداث التي تحتاج الى كثير من التفاصيل.

ahmedadghirni@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: