مركزتيفاوت الإعلامي
عبدالعزيز النجدي شؤون إسلامية
شهدت المملكة العربية السعودية في الفترة الماضية مجموعة متغيرات إدارية طالت جميع المناصب الرئيسية في الدولة، وشملت أكثر من خمسين وزارة ومؤسسة وجهاز حكومي.
ويمكن تلخيص أبرز ملامح هذه المتغيرات فيما يأتي:غياب مفهوم “التدوير”: فمعظم الذين تم إعفاؤهم لم يعينوا في مناصب أخرى، ولم تتم عملية نقل أمير أو محافظ من منطقة إلى أخرى كما جرت العادة بذلك من قبل، ومن أبرز الذين تم إقصاؤهم: أبناء الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، ونائب وزير الدفاع خالد بن سلطان، ووزير الداخلية أحمد بن عبد العزيز، ونائب وزير الدفاع فهد بن عبد الله بن محمد آل سعود، ووزير التربية فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، ويدل ذلك على وجود توجه لإعادة هيكلة مؤسسات الحكم فيما يتواكب مع المتغيرات الكبيرة التي تمر بها المنطقة.
دخول مجموعة جديدة من الجيل الثالث في العائلة الحاكمة: ومن أبرزهم؛ خالد بن بندر بن عبد العزيز الذي عين رئيساً للاستخبارات العامة، وسعود بن نايف أميراً للمنطقة الشرقية، وفيصل بن سلمان بن عبد العزيز أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وتركي بن عبد الله بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الرياض، جدير بالذكر أن الجيل الثالث من المسؤولين لا ينتمون بالضرورة إلى المجموعة التي يطلق عليها: “الأمراء السديريين”، بل أغلبهم من أصحاب الكفاءات خارج المجموعات المتنفذة في العائلة.
تردد الحديث عن وجود خلافات داخل الأسرة: فالأمر الملكي الذي صدر بإعفاء الأمير خالد بن سلطان عن منصبه (أبريل 2013) لم يتضمن جملة: “بناء على طلبه” كما هو المعتاد، بل نص الخطاب على أن القرار قد أتى: “بناء على ما عرضه علينا ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع”، مما رجح التكهنات بوجود خلاف بين ولي العهد وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير خالد بن سلطان الذي كان يتوقع تنازل الأمير سلمان عن وزارة الدفاع إثر تعيينه ولياً للعهد، وأن يعين هو خلفاً لوالده، على غرار تعيين الأمير محمد بن نايف خلفاً لوالده في الداخلية وتعيين الأمير منصور بن متعب خلفاً لوالده في منصب وزير البلديات. وعلى الصعيد ذاته تدور إشاعات كثيرة حول خلافات بين العائلة داخل الجهاز الإداري للدولة أبرزها ما وقع بين الأميرين خالد بن بندر ومحمد بن سلمان في وزارة الدفاع.
استحداث مناصب جديدة في مؤسسة الحكم: حيث أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز قراراً بتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصا له وهو المنصب الأهم بعد ولي العهد في هرمية الحكم في المملكة، إذ إن الملك، عادةً، هو رئيس مجلس الوزراء وولي العهد هو النائب الأول، واستكمل الملك عبد الله خطواته المفاجئة باستحداث منصب جديد للأمير مقرن (مارس 2014) وهو منصب “ولي ولي العهد”، ليصبح الأمير مقرن أبرز الأمراء لخلافة أخيه ولي العهد الحالي الأمير سلمان بعد أن يخلف الملك عبدالله في الحكم، وتضمن الأمر بحسب التلفزيون الرسمي السعودي، أن يصبح الأمير مقرن ملكاً للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد معاً.
عدم وجود توجه واضح لحركة الإعفاء والتعيين: فقد شهد شهر رمضان الماضي تحركات غير متوقعة تضمنت صدور أمر ملكي بتعيين الأمير بندر بن سلطان مبعوثاً خاصاً للملك عبد الله بعد أن تم إعفاؤه من منصبه كرئيس للاستخبارات، وتعيين خالد بن بندر بن عبد العزيز رئيساً للاستخبارات العامة بعد أن تم إعفاؤه من منصب نائب وزير الدفاع بعد ستة أسابيع فقط على تعيينه، وبخروجه من تلك الوزارة بات الأمير خالد بن بندر رابع نائب وزير دفاع يفقد منصبه خلال 15 شهراً (!)
قد يبدو للوهلة الأولى أن المملكة العربية السعودية قد بقيت في منأى عن الثورات الشعبية في المنطقة العربية؛ إلا أنها في واقع الأمر تشهد ثورة صامتة داخل مؤسسة الحكم، وذلك من خلال حركات: التعيين، والإعفاء، والعزل، وإعادة التعيين، واستحداث المناصب.
:ولا يمكن رسم صورة نهائية للمشهد السياسي والإداري بالمملكة إلا بعد إنجاز ثلاثة مهام رئيسية وهي:
أولاً: نجاح الديوان الملكي في إدارة التحالفات داخل الأسرة وتشكيل فريق إداري منسجم يضمن إقصاء بؤر التوتر، ويعزز جانب الكفاءة، ويوجه الجهود للتعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المملكة على الصعيد الداخلي.
ثانياً: حسم الصراع الدائر على إدارة الشأن الخارجي الذي لم تعد سياسته حكراً بيد وزير الخارجية، بل تنافسه أطراف في الأمن والاستخبارات والدفاع والديوان الملكي، وتشير المصادر إلى أن الرياض قد منيت في الفترة الماضية بسلسلة انتكاسات في سياستها الخارجية خاصة فيما يتعلق بالعراق واليمن ولبنان وسورية وفلسطين، فضلاً عن تنامي الحركات المتطرفة والتقارب الأمريكي-الإيراني الذي ينذر بتحولات جذرية لا يبدو أن المملكة قد أعدت العدة للتعامل معها، وقد نتج عن تلك الانتكاسات تعالي أصوات إعلاميين سعوديين كجمال خاشقجي وخالد الدخيل وعبد الرحمن الراشد بنقد السياسة الخارجية للمملكة والمطالبة بإصلاحات جذرية تمكن الرياض من استعادة دورها الرائد في المنطقة.
ثالثاً: تشكيل خطاب إعلامي متوازن يتعامل بكفاءة مع حملات الكراهية والتحريض التي تشن ضد المملكة العربية السعودية في الإعلام الغربي، ولا شك في أن الارتباك الواقع في حركة التعيينات والعزل وغياب الوجهة السياسية الواضحة، قد أوقع الإعلاميين في حالة إرباك رديف، حيث ابتلعت بعض المؤسسات الإعلامية السعودية المتمركزة في دبي طعم “شيطنة” التوجهات الدينية للسعودية، وأخذت تسهم في حملات التشويه ضد المملكة دون وعي منها.
وفي الوقت الذي تعمل فيه بعض القوى الإقليمية على إنشاء مرجعية دينية بديلة، وإبراز رموز للتسامح والاعتدال؛ تسهم بعض أجهزة الإعلام الوطنية في تشويه سمعة المؤسسة الدينية فيها ووسمها بالتشدد وتحميلها مسؤولية ظهور حركات التطرف مما يضعف المكانة الإقليمية الرائدة التي تبوأتها المملكة عبر عدة عقود ويتجاهل دورها في نشر الفكر المعتدل وتعزيز ثقافة الوسطية والاعتدال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق