بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 نوفمبر 2014

أحواش تالوين

أحواش تالوين

مركزتيفاوت الإعلامي

يعتبر فن أحواش إبداعا أمازيغيا خالصا، يحمل دلالات ومعاني متعددة في ذهنية الإنسان الأمازيغي، ويصنف هذا الفن ضمن قائمة الفنون الجماعية، وتختلف إيقاعاته وتسمياته باختلاف المناطق، وينتشر بشكل خاص في الجنوب المغربي لدى القبائل التي تتحدث اللغة الأمازيغية، ويتألف من بناء إيقاعي، رقصات جماعية مع مساجلات شعرية بين شاعرين أو ثلاث شعراء (إنظّامن) أو أكثر من ذلك. وللقيام برقصة أحواش لابد من توفر شروط عدة، واحترام مجموعة من المعايير، لذلك فما نراه من لوحات لفن أحواش خلال الاستقبالات الرسمية في الشوارع ليست إلا أهازيج شعبية لا تخرج عن نطاق الفولكلور. ومن خلال هذا البحث الموجز سنحاول إعطاء فكرة عن هذا الفن انطلاق من نموذج أحواش تالوين.

نبذة تعريفية عن تالوين:

تقع بلدة تالوين أو مدينة الزعفران كما يحلو للبعض تسميتها في الجنوب المغربي بجبال الأطلس الصغير بإقليم تارودانت، وتبعد عن مدينة تارودانت بحوالي 90 كلم، على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين مدينتي أكادير و ورززات.

تعريف رقصة أحواش:

الجدير بالذكر أن لفظ “أحواش” لا يعبر بالضرورة على نوع واحد من الرقص والغناء الخاص بمنطقة معينة، بل إنما هو لفظ شامل يشير إلى الرقص الجماعي، ودلك بجميع أشكاله وأنواعه المتعددة، والذي ينتشر بشكل كبير في الجنوب المغربي خاصة لدى قبائل الأطلس الصغير والأطلس الكبير، ويعني لفظ “أحواش” دلاليا الغناء.

وتعد مسألة الحديث عن تاريخ ظهور فن أحواش من المسائل الصعبة؛ خاصة مع قلة أو غياب مصادر تؤرخ لهذا النمط الفني الأمازيغي الخالص، وذلك لأسباب غير معروفة، وقد يكون اقتصار أحواش على التعبير الشفاهي من بين العوامل التي ساعدت في عدم الاهتمام بتدوينه من حيث أصله وجذوره التاريخية بالتحديد، لكن على العموم يبقى أحواش فن راقي يمكن وصفه بأبي الفنون الأمازيغية إن صح القول، تعود جذوره إلى قديم الزمان، واستعمله الأمازيع في التعبير عن فرحهم بالانتصارات التي يحققونها أثناء خوضهم لحروب ضد أعدائهم قديما، وربما حملهم للخنجر في رقصة أحواش أو ما يسمى باللغة الأمازيغية ” الكمييت” وقيامهم بحركات جماعية ذات انفعالات خاصة أثناء الرقص دليل أكبر على دلك. إذ أن لكل حركة مدلولها الخاص، فهناك حركات تحيل على التحدي و أخرى تحيل على الشجاعة والطاعة؛ كما أن هذا النمط الفني دليل على وحدة الأمة أو القبيلة؛ ويتجسد ذلك من خلال وحدة اللباس.

يتشكل فن أحواش من أنماط عدة، يختلف من منطقة إلى أخرى ويتسم بالتنوع داخل الرقعة الجغرافية للجنوب المغربي، ويتكون من تشكيلة فنية تضم رقص جماعي، وبناء إيقاعي، إضافة إلى النظم الشعرية التي تلقى في الساحة التي يقام فيها أحواش والمعروفة بــ ” أسايس ” أو ” أبَرَاز ” أبراز” ويمكن اعتبار هذه النظم الشعرية كأساس لفن أحواش، وذلك نظرا لقوة التعبير الفني في الكلمة الأمازيغية، كما نجد أن لكل نوع من هذا الموروث الثقافي الأمازيغي تسمية خاصة به، وذلك من قبيل أحواش الدرست، أهنقار، أهياض، تسكيوين، أهمايلو، أهواري، أكناوي…كما توجد تسميات أخرى تعتمد على الانتماء الجغرافي مثل: أحوش ورزازات، أحواش نـــتالوين، أحواش إمينتانوت…

مميزات أحواش تالوين:

ينتشر فن أحواش بمنطقة تالوين بشكل واسع، ارتبط به سكان المنطقة ارتباطا وثيقا، يعبرون به عن أفراحهم في المناسبات الكبرى، خاصة في حفلات الأعراس التي لا تكاد أن تمر دون حضور رقصة أحواش، أو “أكوال” واشتهر أحواش تالوين بالتعبير الفني المتقن عن طريق الكلمة الموزونة، وتتميز المنطقة بتواجد شعراء كبار أو “إنضَّامن” المعروفين في الساحة الفنية لأحواش، وذلك أمثال الحسن أجمَّاع وبوقدير إحيا، هذان الثنائيان يشكلان أهم الشعراء الذين أسهموا في الرقي والحفاظ على هذا الموروث الثقافي عن طريق أشعارهما التي تتحف الجماهير في كل المناسبات والحفلات التي يتواجدون فيها، هذا دون أن ننسى شعراء آخرين أمثال عثمان أزوليض والحاج عابد أوطاطا وأحمد بنواكريم ومولاي الغالي وآخرين.

ومن بين المميزات الأخرى كذلك التي يمتاز بها هذا الفن في المنطقة، نجد أحيانا غلبة الشعر على الرقص خاصة عندما يكون “أسايس” مسرحا لإبداعات الشعراء “إنضامن”، حيث ينغمسون في مواضيع مختلفة، تكون عبارة عن مدح أو هجاء، أو مناقشة لأوضاع القبيلة السياسية أو الاجتماعية وغيرها من المواضيع، ويكون كل طرف متشبث برأيه ويدافع عن أفكاره دون تناقض، والجميل في ذلك أن المواضيع تكون تلقائية بمعنى أن “إنضامن” لا يتفقون على موضوع مسبق، ويقتصر دور الراقصين أثناء المسجلات الشعرية فقط على ترديد العبارة الأخيرة لكل شاعر” أنضام” في انتظار أن يرد عليه الأخر.

دلالات الحركات واللباس في رقصة أحواش تالوين:

إن الحديث عن المسألة الدلالية للحركات الفنية في رقصة أحواش أمر في غاية الصعوبة، و تختلف حركة الراقصين من منطقة إلى أخرى، فبالنسبة لمنطقة تالوين هناك تنوع في الحركات، تتوزع مابين التصفيق وتحريك الأرجل مع تحريك الكتفين، فضلا عن عدة حركات أخرى؛ مثل الضرب بالرجلين، ومن الناحية الدلالية لهذه الحركات نشير إلى أن أغلبها يحمل دلالات ذات علاقة بالإنتاج الفلاحي الزراعي، فالتصفيق مثلا يحيل على غزارة سقوط الأمطار الذي يبشر بموسم فلاحي جيد، في حين أن الضرب بالأرجل يشير إلى مرحلة الحصاد الزراعي.

وفيما يخص اللباس، فهو يعتبر من الشروط الضرورية التي يجب الاهتمام بها في رقصة أحواش، إذ لا يمكن الإحساس بالنكهة الفنية لرقصة أحواش دون حضور لباس موحد، ويتمثل هذا الأخير في الجلباب الأبيض، و “البلغة” تم عمامة بيضاء توضع فوق الرأس، بالإضافة إلى الخنجر المصنوع من الفضة المسمى باللغة المحلية بــ” الكمييت”. أما من الناحية الدلالية لرمزية اللّباس، فاللون الأبيض عادة ما يرمز إلى السلم والنقاء والصفاء، كما يرمز كذلك إلى وحدة القبيلة وتماسكها فضلا عن تشبثها بقيمها وعاداتها وتقاليدها العرفية القديمة الموروثة عن الأجيال السالفة. فين حين نجد أن للخنجر دلالة حربية محضة دال على شجاعة الإنسان الأمازيغي ورغبته في الدفاع عن نفسه ولو في لحظة الفرح والاحتفال، وللخنجر كذلك وظيفة جمالية تزينية لكونه مصنوع من معدن الفضة، غير أنه غالبا ما يحيلنا على مدلول ذات حس حربي.

الآلات الموسيقية لأحواش تالوين:

01-06-2013 23-00-44

احتفظ فن أحواش بمنطقة تالوين على الآلتين التقليديتين اللتين تميزه مند سنين مضت، وذلك على خلاف بعض الأنماط الأخرى من هذا الفن، الذي أضفت إليه حديثا بعض الآلات الأخرى مثل ما يعرف بــ “الناقوس”، ففن أحواش بتالوين يرتكز بالخصوص على آلة الطبل “كانكا” وآلة البندير ” تالونت”، والطبل يكون غالبا مصنوعا من جلد البقر، بينما يصنع البندير من إطار خشبي ملفوف بجلد الماعز، ويتكلف الفنان أو ” أنضَّام” بهذه المهمة بنفسه من أجل الحصول على بندير ذو مواصفات عالية تناسب الإيقاع الذي يريده، وهذه العملية تتم عبر إتباعه مجموعة من المراحل، حيث يسعى دائما إلى أن تكون هاتين الآلتين ذات وزن خفيف يسهل حملها.

شكل رقصة أحواش تالوين داخل “أسايس”:

يصطف الراقصين واحدا تلو الأخر على شكل خط مستقيم، بلباس موحد، يصل عددهم ما بين ثلاثين إلى خمسين فردا، ويرأسهم رئيس يقف أمامهم، مهمته قيادة المجموعة، فهو من يحدد زمن القيام بتحريك اليدين كالتصفيق مثلا، أو تحريك الرجلين، وعليهم أن ينتبهوا إليه باستمرار كي يكون هناك تناغم وتناسق في الرقص، فهو يقوم بإشارات وحركات أو إطلاق أصوات لا يعرف مدلولها سوى أعضاء فرقة الراقصين، ويقام فن أحواش غالبا في الليل.

وإلى جانب الراقصين تجلس مجموعة أخرى لابد منها، تتمثل في أصحاب الإيقاع دوي الخبرة في هذا المجال، فهم يعرفون متى يسرعون في الإيقاع ومتى يخفضونه؛ ودلك بواسطة آلتين تقليديتين فقط كما أشرنا سابقا، ( الطبل والبندير)، فأحواش تالوين ليس هو كأحواش إمنتانوت أو أيت بعمران، فهدين الأخيرين يعتمدون بشكل كبير على آلة الناي (العوّاد) وبعض الأدوات الأخرى، وذلك على خلاف أحواش منطقة تالوين.

وهناك عنصر آخر لا يمكن إغفاله، ويتعلق الأمر بالشعراء أو بالأصح “إنظامن” أو”إمديازن”، ويمثلون جوهر رقصة أحواش، وعددهم لا يتجاوز خمسة أفراد في أغلب الحالات، هذا بالإضافة إلى الجمهور الذي يتحمل عناء السهر بل والسفر أحيانا، حيث هناك من يأتي من مناطق بعيدة عن المكان الذي يحتضن حفلة من حفلات أحواش.

نشير في الأخير أن فن أحواش يعد بمثابة أصل الفنون الموسيقية الأمازيغية الأخرى، كما يعتبر أيضا موروثا ثقافيا ارتبط به الإنسان الأمازيغي مند قدم الزمان، وجب الاحتفاظ به وإحيائه من قبل أجيال اليوم.

ليست هناك تعليقات: