بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

هجوم جيش التحرير على سيدي إفني يستنفر الإسبان أدى إلى تكثيف التنسيق الاستعماري بين الفرنسيين وإسبانيا



مركزتيفاوت الإعلامي
إلهام بنجدية
من الأحداث الجسام التي هزت منطقة الجنوب منذ أوائل الاستقلال وكان لها صدى وطني ودولي، قيام جيش التحرير بالهجوم على سيدي إفني، حيث تكبد الإسبانيون خسائر كبيرة واستطاع جيش التحرير، في وقت وجيز لا يتعدى يومين، أن يستولي على ستة مراكز تمت مهاجمتها، وتم قتل الملازم الإسباني وأطلقت عليه إسبانيا رسميا لقب «شهيد وطني».

كان التخطيط للهجوم يقتضي أن يكون مفاجئا، وبالفعل بدأ في الساعة الأولى من الصباح، وذلك بتنسيق بين قيادات جيش التحرير وأعيان قبائل آيت باعمران عشية مغادرة الملك محمد الخامس متوجها إلى الولايات المتحدة، بعد أسبوع فقط من تعيين «عبد الكبير الفاسي» مديرا لشؤون الصحراء والحدود.

فماذا كانت ردود فعل الحكومة الإسبانية حال علمها بالهجوم؟ قامت الحكومة الإسبانية بتنظيم دفاعها والاستعداد للهجوم، فنقلت عددا كبيرا من الجنود الإضافيين إلى عين المكان من جزر الكناري، ومن تم انطلقت باخرتان، كما تم إعطاء الأوامر للقوات المسلحة الملكية، لتتحرك بعدة فيالق من الجيش إلى جنوب البلاد وتنتشر على طول شواطئ أكادير وأحواز إفني، وأمرت بإطلاق النار على كل طائرة أجنبية تخترق الأجواء المغربية، وبذلك ازداد التوتر بين المغرب وإسبانيا بعد هذا الهجوم المباغت على إفني والخسائر التي ألحقت بالطرف الإسباني. وقد كانت العلاقات المغربية الإسبانية قبل هذا الحدث عادية، فإسبانيا لم تعترف بصنيعة الاستعمار «ابن عرفة» بعد نفي محمد الخامس، ولم تساير فرنسا في خطتها، وظل الخطباء ينصرون محمد الخامس على المنابر في المنطقة الشمالية، بل إن المقاومة في الشمال وجدت منافسا لها استفاد منه جيش التحرير في الشمال وجبهة التحرير الجزائرية.

ومن أهم اللحظات المعبرة عن العلاقات المغربية الإسبانية أيضا في هذه الفترة، استقبال الملك محمد الخامس للجنرال «غارسيا فالينو» المندوب السامي الإسباني في تطوان في شهر أبريل 1956 مساء يوم الجمعة، واعتبر هذا الأخير اللقاء شرفا عظيما له وأكد على صداقته الخاصة للمغرب ملكا وشعبا.

وفي سنة 1956 كذلك، قدم وفد مغربي ترأسه «عبد اللطيف بن جلون» مصحوبا بـ«عبد الرحمان اليوسفي»، هدية تقدير للجنرال»غ فالينو» اعترافا له بالمساندة التي قدمها للمقاومة وجيش التحرير. ومن جانب آخر، تواصلت علاقة جيش التحرير بالمسؤولين الإسبانيين بالجنوب، حيث لم يكن الفرنسيون راضين عن الإسبانيين بهذا الخصوص وعبروا عن الأمر في أكثر من مناسبة.

كما التقى «إدريس العلوي»، وهو منسق العمليات الحربية في قيادة جيش التحرير، مصحوبا بمسؤولين آخرين في القيادة مع مسؤولين إسبانيين في الجنوب، ويذكر أن جيش التحرير تمكن من إقامة عدة مراكز له في المناطق الجنوبية والصحراء، وهي القضية التي لم تكن فرنسا تراها بعين الرضى، ومن تم اعتبر الفرنسيون الموقف الإسباني غامضا بخصوص سياستهم في المنطقة، ولذلك تأجل اللقاء التنسيقي الذي كان مفروضا أن ينعقد في داكار في السينغال بين الفرنسيين والإسبانيين، وصرح الفرنسيون أن صلتهم بنظرائهم الإسبانيين في منطقة وادي الذهب تكاد تكون منعدمة، وتمكن بعض الجنود العاملين في الجيش الإسباني في الصحراء والمعروفين بـ«الكوم» من إقامة علاقة وطيدة بعناصر جيش التحرير، هذا و سعت السياسة الفرنسية في المنطقة إلى البحث عن تحقيق اصطدام طالما عملت من أجله بين جيش التحرير والإسبان، مما دفع الإسبانيين إلى مواجهة مسلحة انتهت بارتمائهم في أحضان الفرنسيين طالبين ودهم.

ليبقى السؤال المطروح هو: هل كان الهجوم على إفني إعلانا عن القطيعة بين المغاربة والإسبان، وبداية لتكثيف التنسيق الاستعماري الإسباني في المنطقة؟



إسبانيا وجيش

التحرير الجنوبي



كيف كان رد فعل إسبانيا بعد هجوم 57/11/23 في آيت باعمران؟ إن شهرا ونصف كانت مدة كافية للتنسيق مع فرنسا في خطة جهنمية شملت ما سمي «باكوفيون شطابة»، والتي كانت فرنسا تخطط لها مع بعض الضباط الإسبانيين في كل من لاس بالماس ومدريد وجزر الكناري وتندوف وموريتانيا، ولكن إسبانيا راوغت فرنسا ولم ترد الدخول مع المغرب في الحرب نظرا لتعاونها مع المقاومة وجيش التحرير في شمال المغرب حتى الاستقلال، رغم الهجوم عليها الذي تعتبره غادرا من طرف المغاربة الذين تعاونت معهم في الأمس القريب في شمال

المغرب.

ولكن ما هي نتيجة هجوم 57/11/23 في أيت باعمران؟ يبدو أنه من هنا ردت إسبانيا للمغرب الصاع صاعين بهجوم كاسح، تراجع فيه جيش التحرير إلى ما وراء وادي درعة وخسر مراكزه التي منحته إياها إسبانيا في مستعمراتها، والتي تتمثل في سيدي إفني وطانطان وطرفاية والعيون وأوسرد إلى حدود موريتانيا، التي منها انطلقت الهجومات على المراكز الفرنسية الواقعة في كل من تندوف وموريتانيا، وكانت وقتها المراكز المذكورة شبه مستقلة، حيث تنصب على كل مركز راية مغربية حمراء، ويتحرك الجنود والضباط في جميع الجهات تحت الشروط المتفق عليها بين قيادة إسبانيا ونظيرتها لجيش التحرير، على وجود الخروقات الحاصلة في جانب جيش التحرير والتي أغمضت عليها إسبانيا عينيها.

كان شرط إسبانيا هو أن تنعم أراضيها المستعمرة بالهدوء، وألا تتحرك فيها المقاومة ضد بعض سكانها، أو من يسمون الخونة، ولهذا حرصت قيادة جيش التحرير الأولى قبل الانقلاب على إدريس العلوي و بن عاشر بن الحسن، أن لا يقع أدنى تصرف يستفز إسبانيا أو يحرجها، وكان كل شيء على ما يرام سنة كاملة من مارس 1956 إلى أبريل 1957، حيث لم تكن هناك إلا هجومات على المراكز الفرنسية، فيما تم الاتفاق بين محمد الخامس وقيادة جيش التحرير وقيادة إسبانيا في سيدي إفني حول على كل من تندوف وموريتانيا.

بدأ التطاحن في المدن بين المقاومين والبعض الموالي لحزبي الاستقلال والشورى. وعندما هدأت الأوضاع نسبيا وجمعت الأسلحة التي بين يدي المقاومة بأمر من محمد الخامس، اتجهت الأنظار إلى القوات الهائلة الموجودة بالجنوب والتي تتحرك من قصور الكلاوي بمراكش إلى موريتانيا عبر سوس كله والأقاليم الجنوبية والشرقية والغربية، والتي تتمثل في جيش التحرير الذي لا يقهر ولا سلطان فوقه في الجنوب.

عندما كان الجو هادئا في نسبة من المدن المغربية الكبرى، قام الفقيه «محمد البصري» بتعيين نواب عنه في جيش التحرير الذي يعتبر نفسه من المؤسسين له، والذين تمثلوا في محمد بن سعيد وعمر المسفيوي وبوزاليم والقائمة طويلة.

ليست هناك تعليقات: