بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

تفيناغ أصلح لكتابة اللغة العربية من الحرف الآرامي



إن تحديد و تعيين الأبجدية المناسبة لكتابة لغة معينة هي عملية اختيار مبنية على مجموعة من الأسس منها ما هو علمي و تقني مثل معيار الأصلح تقنيا للغة التي نود كتابتها حسب عدد أحرف الأبجدية و ما فيها من صوامت و صوائت و تنوع الحروف من انفجارية و مهموسة و غيرها ، و مدى استجابتها للرسم السليم للغة دون مساس أو تحريف . و من المعايير التي قد تؤخذ بعين الاعتبار أيضا المعايير الإيديولوجية أو التاريخية كتبني أبجدية للتعبير عن الارتباط بنسق ثقافي معين أو لارتباطها التاريخي و الهوياتي باللغة ، و كذلك من المعايير تلك المرتبطة باعتبارات دينية ، أي تفضيل أبجدية معينة لارتباطها بلغة أو ثقافة مرتبطة بدين معين .

بالنسبة للمغرب ، فإلى عهد قريب كان المشهد اللغوي و الأبجدي يتسم بالأحادية حسب الاختيارات الإستراتيجية للحركة الوطنية و الأحزاب المنبثقة منها ، فقد كانت اللغة العربية و الحرف الآرامي الذي تكتب به هما يشكلان اللغة الوحيدة التي تحظى بالاهتمام المؤسساتي و الرسمي إضافة إلى اللغة الفرنسية ، أما اللغات الوطنية و الشعبية لغات التواصل اليومي للمغاربة و هما الأمازيغية و الدارجة فقد ظلتا ذات طابع شفوي و لم تستفدا من أي تطوير أو تنميط ، و لكن مند السبعينيات من القرن الماضي بدأ يتبلور خطاب مطلبي يروم الدفاع عن الأمازيغية على الخصوص و المنظومة الثقافية المرتبطة بها ، و قد ووجه هذا المد أولا بالتجاهل ثم بالتضييق و القمع و التخوين و الشيطنة ، لكن المد الثقافي الأمازيغي في تطور مطرد كما و كيفا إلى أواخر التسعينيات و دخول القرن الحالي و مع مجموعة من المتغيرات السياسية التي أدت إلى الإعلان عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و الإعلان عن وجود نية الرسمية لإنصاف الأمازيغية و إدماجها في المؤسسات ، و هذا يعني بالضرورة الانتقال الأمازيغية من الطابع الشفوي إلى الكتابة و التدوين ، و هنا سيظهر نقاش حاد حول الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية وصل أحيانا إلى حد التراشق اللفظي و تبادل الاتهامات ، و هو ما اصطلح عليه في حينه بمعركة الحرف .

إن معركة الحرف كانت بين تيارين أساسيين ، تيار يرى أن الأمازيغية يجب أن تكتب بالحرف اللاتيني لكونه حرفا كونيا و سيوفر لنا الكثير من التسهيلات على المستوى التقني و المعلوماتي و لتراكم تجارب مهمة في كتابة النصوص الأمازيغية بها ابتدءا من النصوص المدونة من طرف المستشرقين إلى تجربة الكتاب الأمازيغيين بالمغرب و الجزائر و أوربا ... و تيار آخر يرى أن الأمازيغية لابد أن تكتب بالحرف العربي انسجاما مع انتماء المغرب إلى المنظومة الثقافية العربية الإسلامية ، و كذلك لوجود إرث أمازيغي مكتوب بالحرف العربي مند العصور الوسطى ، و لكن حقيقة يعرفها المتتبعين و المهتمين بالقضية وهي أن متزعمي هذا الطرح لم يكونوا يوما من المحسوبين على الحركة الأمازيغية أو المهتمين بها ، بل أغلبهم كان قبل تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من أشد المعارضين للقضية الأمازيغية و المنتقدين لمناضليها ، و رغم أن المعركة كانت بين هذين التيارين فقد كان هناك تيار ثالث يرى أنه لا يمكن الحديث عن كتابة اللغة الأمازيغية بغير حروفها و أن المعركة الدائرة هي معركة هامشية .

في خضم المعركة اجتمعت حوالي ستة و عشرون جمعية أمازيغية و مجموعة من الفعاليات بمكناس من أجل تدارس الوضعية و إصدار موقف موحد في قضية كتابة و تنميط اللغة الأمازيغية و خاصة ما يتعلق بالأبجدية فأصدرت بيان مكناس الذي جاء للدفاع عن الكتابة بالحرف اللاتيني ، و لكن في ظرفية وجيزة أصدرت حوالي سبعين جمعية لم تكن معروفة من قبل بيانا مضادا يدافع عن الكتابة بالحرف الآرامي ، أي أن هذه الجمعيات تأسست في تلك اللحظة و لهذا الغرض ، بالنسبة للجهات الرسمية و المسؤولة بالمغرب فالحلول في مثل هذه الحالات تكون وسطية ، و تقارب المسألة مقاربة أمنية ، و كان الحل الوسط هو ترسيم حرف تفيناغ ، لأن المعركة كانت بين دعاة الحرفين اللاتيني و الآرامي ، و كان من تعليلات التيارين معا أن الحرف الذي يريده الخصم غريب و لا يرتبط بالأمازيغية ، أي أن حساسية دعاة الحرف الآرامي تجاه تفيناغ أقل من حقدهم على الحرف اللاتيني كما أن دعاة الحرف اللاتيني قد يتقبلون حرف تفيناغ و لكن لن يقبلوا بالتأكيد على الحرف الآرامي ، كما أن حرف تفيناغ سيسجل ارتياحا لدى الكثيرين من المشتغلين في مجال الثقافة الأمازيغية و الذين كان اختيارهم على تفيناغ أصلا كما أشرنا أعلاه . إذن هكذا تم حسم المعركة بإعلان ترسيم حرف تفيناغ ، و كيفما كان الحال فقد أسكت هذا القرار الأصوات ، و غير حتى النقاش حول الأمازيغية إلى مستويات أخرى ككيفية الإدماج في التعليم ، معيرة اللغة و غير ذلك ، كما انكبت هياكل و مؤسسات ليركام على العمل على ضبط و تنميط حرف تفيناغ ، فأدخلت بعض التغييرات على تشكيلة تفيناغ التي كانت معروفة لدى الصحافة و الجمعيات و النشطاء الأمازيغ و هي التشكيلة التي كان قم تم تنميطها من طرف الأكاديمية البربرية بباريس ، فحذفت بعض الحروف بدعوى الاكتفاء بأخرى قريبة منها ، و أن وجودها يعتبر كنوع من التكرار ، و أن مجال تداولها في الأمازيغية جهويا فقط ، و أنها في جهات أجرى تكون منطوقة بأحرف أخرى في نفس الكلمة ، و قد أحدث هذا ضجة في البداية و لقي بعض الاعتراض و لكن سرعان ما سكتت الأصوات المعارضة مع حملات الإقناع بأن ذلك مرتبط بالضرورة بقضية المعيرة .

استطاع المعهد أن يحسن استعمال حرف تفيناغ و ينمطه ، فقد أدمج في النظام المعلوماتي ، و ألفت به الكثير من الكتب منها الكتب المدرسية لمادة اللغة الأمازيغية ، كما حظي بالاعتراف الدولي ... و بعد مضي أكثر من عشر سنوات و في عهد حكومة بنكيران بدأت تظهر من جديد أصوات تدعو إلى إعادة النظر في قضية حرف كتابة الأمازيغية ، خاصة من طرف أناس من حزب العدالة و التنمية أما حزب الاستقلال فقد طرح إمكانية كتابتها بالحرفين معا ، و اعتبارا للتوجه العام لهؤلاء يتضح أنهم هم نفسهم الذين كانوا يخوضون معركة الحرف لصالح الحرف الآرامي ، و دوافعهم تنطلق من اعتبار هذا الحرف يحظى بنوع من القدسية المستمدة من ارتباطه باللغة العربية لغة القرآن ، و لكن هذا الأمر الذي ترسخ عبر الأجيال مبني على معتقدات خاطئة ، ذلك أن القرآن لما نزل نزل شفويا ، و إن كتب القرآن بنفس اللغة التي نزل بها لكن بأبجدية أخرى لن يمس ذلك من قدسيته ، كما لن تتغير لغته أيضا ، بل ستبقى لغة عربية فصحى ، و الواقع أن هذا الحرف في أصوله الأولى ليس حرفا عربيا بل آراميا مرتبطا باللغة السريانية قبل أن يتبناه العرب في كتابة لغتهم ، و لهذه الأبجدية عدة عيوب لا نجدها في الأبجديات الأخرى ، و لعل أبرز هذه العيوب ما يتعلق بوجود نوعين من الصوائت حيث منها صوائت خفيفة و قصيرة تعبر عنها الحركات و غيابها يشكل عائقا لمتعلمي اللغة العربية المبتدئين لقراءة النص قراءة سليمة و هذا يستدعي بالضرورة أن تكون النصوص مشكولة ، و النوع الثاني من الصوائت هي صوائت طويلة تعبر عنها حروف المد . و إن كان البعض قد يرى هذا عاديا و ضروريا نظرا لوجود فرق في اللغة العربية بين هذين النوعين من الصوائت فإنها تعتبر في الواقع مشكلة كبرى لأن عدد كبير من الصوائت لا ترسم ، كما قد يجعل بعض العبارات و الجمل يمكن أن تقرأ قراءتين مختلفتين مثل ( بنت سعاد مدرسة ) يمكن أن نفهم منها " ابنة سعاد معلمة " أو " شيدت سعاد مؤسسة تعليمية " و لكن الكتابة هي نفسها تماما مع اختلاف منطوق الحالتين ، في حين إذا كتبنا اللغة العربية بأبجدية أخرى ترسم فيها جميع أنواع الصوامت و الصوائت مثل حروف تفيناغ سنتفادى هذا المشكل ، و سيصبح المتعلم بمجرد معرفته للحروف و هي مسألة تتطلب بضعة أيام يقرأ أي نص عربي قراءة سليمة حتى و إن لم يفهم معناه ، كما يساعده ذلك على تعلم أفضل و أسرع .

و للإشارة فأبجدية تفيناغ ليست أبجدية غريبة أو أجنبية بل هي جزء من الموروث الحضاري للمغرب و لشمال إفريقيا عامة ، و يستحق أن يكون رمزا هوياتيا لهذه البلاد ، و للمغرب أن يفتخر أنه كان السباق إلى الاعتراف بهذه الأبجدية و التعريف بها و الاهتمام بها و تقديمها للعالم لتضاف إلى لائحة الأبجديات المعترف بها عالميا ، و يبقى للمغرب شيء مهم من المفيد جدا أن يتجه إليه ألا وهو العمل من أجل التمهيد و التهييء لكتابة اللغات الوطنية ( الأمازيغية و العربية و الدارجة ) كلها بحروف تفيناغ بشكل رسمي لأنها أصلح من الحرف الآرامي و من غيره ليس للأمازيغية فقط بل لهذه اللغات جميعا ، آنذاك سيصبح هذا الحرف المرتبط بهذه الأرض حق الارتباط إذ يوجد منقوشا في الكثير من الصخور و الجبال و الكهوف مند آلاف السنين و في مختلف ربوع شمال إفريقيا رمزا وطنيا يميز الهوية و الحضارة الوطنية ، و هذا بالتأكيد سيساهم في إصلاح مستوى التعليم في المغرب و الرقي به إلى مستويات أفضل ، فقد جربت كتابة اللغة العربية بحروف تفيناغ ، و أتمنى أن يجربها أي مغربي ، فاكتشفت أن الكثير من المشاكل التي تعيق تعلم هذه اللغة ترتبط بالحرف ، إنني أعرف أناس من مستويات تعليمية محترمة لا زالوا يرتكبون أخطاء كتابية في اللغة العربية ، أما أولئك الذين انقطعوا عن التعليم من المستويات الوسطى ( إعدادي ، تأهيلي ) فالكثير منهم قلما يستطيع كتابة جملة مفيدة سليمة من الأخطاء الإملائية ، أما قضية التشبث بالحرف لأنه يجعلنا مرتبطين بالفضاء العربي الإسلامي فهذا لا أراه منطقيا تماما ، لأنه حتى إن وجب ارتباط المغرب بهذا المجال فليس ما يربطه به هو الحرف بالضرورة ، بل بأشياء أخرى كوحدة الدين و المصير المشترك ، إذن فالمطلوب في المغرب ليس كتابة الأمازيغية بالحرف الآرامي بل كتابة الأمازيغية و الدارجة و العربية بحروف تفيناغ ، و أتمنى أن يقوم المعنيون بالأمر بخطوات تجريبية و سيرون النتيجة .



Auteur : فريد المساوي

ليست هناك تعليقات: