بلعيد رامي*
لاحظ كل المتتبعين للشأن العام المحلي بتافراوت انعقاد دورة فبراير للمجلس البلدي لتافراوت و التي تعد أهم دورة في السنة ،حيث يتم التصويت خلالها على الحساب الإداري الذي يعد من بين أهم الوثائق التي تتوفر عليها الجماعات الترابية وهو عبارة عن وثيقة تلخص الحصاد المالي السنوي للجماعة، وله علاقة وطيدة بواقع تدخل هذه الأخيرة في ميدان التنمية وفي مختلف الأنشطة التي تقوم بها، فإن كانت الميزانية هي الوثيقة التقديرية التي يرخص بموجبها المجلس الجماعي لرئيسه تحصيل المداخيل وصرف النفقات، فإن الحساب الإداري هو الذي يبين كيف تم فعلا صرف تلك الميزانية، والمبالغ التي تم صرفها وتحديد الفائض أو العجز ،
لاحظوا انعقادها كغيرها من الدورات السابقة خارج المساطر القانونية المعمول بها في هذا الشأن ، حيث انعقدت في سرية تامة و في جلسة مغلقة بحيث لم يتم تعليق جدول أعمال الدورة و تاريخها بمقر البلدية طبقا لنص المادة 63 من الميثاق الجماعي ، إلى جانب تقاعس و تخلي باشا المدينة عن دوره الإستشاري فيما يخص مداولات المجلس طبقا للمادة 61 من الميثاق الجماعي ،حيث لم يتحمل مسؤولياته المراقباتية بخصوص تتبعه لمشروعية الإجراءات و التدابير القانونية المنظمة لمداولات المجلس و التأكد من مطابقتها للمقتضيات القانونية طبقا لنص المادة 68 من الميثاق الجماعي 78.00، و التي تعطي الصلاحية للسلطة الإدارية تلقائيا للسهر على تلك المراقبة و الأنظمة الجاري بها العمل ،
كما تم تسجيل مشاركة أعضاء و مستشارون يترأسون جمعيات استفادت من منح سمينة من طرف ذات البلدية ، و مخالفة مقتضيات نص المادة 46 من الميثاق الجماعي عندما صوت الأعضاء على الحساب الإداري بحضور رئيس المجلس البلدي ،
دورة فبراير تلك ،التي انعقدت يوم الثلاثاء 04 فبراير الماضي بمكتب رئيس المجلس البلدي غاية في تحجيم عدد الحضور أو طردهم بشكل غير مباشر( وليس في قاعة الإجتماعات رغم جهوزيتها و إغلاقها بقرار جائر في وجه كل التنظيمات السياسية و النقابية و الجمعوية منذ سنة ) بحضور باشا المدينة كما أسلفنا ،تم التصويت فيها بإجماع الحاضرين على الحساب الإداري في وقت قياسي و في سابقة أو استثناء من نوعه في تاريخ التصويت على الحسابات الإدارية بالجماعات المحلية بالمغرب مما يأهل بلدية تافراوت إلى دخول موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية الفضائحية ،
المعارضة داخل المجلس البلدي لتافراوت ،و المتمثلة أساسا في حزبي العدالة و التنمية و حزب الإستقلال، اختارت الإنسحاب و مقاطعة أشغال الدورة ،مفضلة بذلك سياسة الكرسي الفارغ التي لن تجدي نفعا في تقديرنا ، غير أن الفرع المحلي لحزب المصباح سارع بعد ذلك إلى مراسلة سلطات الوصاية المتمثلة في شخص عامل إقليم تيزنيت مطالبة إياه بإلغاء الدورة نظرا لخرقها للإجراءات القانونية و التنظيمية ذات الصلة ، فيما اكتفى فرع حزب الميزان المحلي بملازمة الصمت المطبق كعادته في التعاطي مع كل قضايا المنطقة ،
صحيح أن الأغلبية الحاكمة في بلدية تافراوت تتعامل باستبداد و تعال و تهميش مع المعارضة ، لكن رد فعل هذه الأخيرة تجاه هذه النازلة- المهزلة ليس مقنعا البثة و لا كافيا ،حيث كان من واجبها القيام بخطوات أخرى أكثر نجاعة و قوة كمراسلة وزير الداخلية في الموضوع و اللجوء إلى كل الخيارات الممكنة قانونيا و قضائيا و سياسيا و نضاليا،
ولعل ضعف المعارضة داخل بلدية تافراوت هو من بين الأسباب التي تشجع الأغلبية المسيطرة على استمرارها في نهج سلوك العنجهية و الإستبداد و الإقصاء و مقارعة الفساد ،علاوة على الدعم اللامحدود و المباركة التامة التي تتلقاهما من طرف السلطات المحلية و الإقليمية و الأوساط الحكومية الرسمية و أعيان المنطقة،
و ما يحز في النفوس حقيقة ،إظافة إلى ما سبق، هو الغياب و التغييب التاميين لدور المفكرين و المثقفين بالمنطقة و صمت و تواطؤ هيئات المجتمع المدني بها نظرا لافتقاد غالبتها العظمى لاستقلاليتها التسييرية و المالية ،حيث تدور غالبيتها في فلك مسيري البلدية و تخضع لهيمنتهم و تحكمهم ، فيما تفضل البقية المتبقية نهج سياسة اللامبالاة و الحياد السلبي ،
فرغم أن الكل يشتم رائحة الفساد النثنة المنبعثة من داخل جدران بلدية تافراوت منذ عقدين من الزمن على الأقل ، ورغم ملاحظة التدبير السيء للشأن العام المحلي و رغم وجود موضفين أشباح ،و تراكم العشوائية في تسيير المرافق و التجهيزات العمومية و سوء تدبير الممتلكات الجماعية و سوء التدبير التقني و الإداري و المالي لصفقات الأشغال العمومية و الواردات و الخدمات ،و رغم تبذير المال العمومي عبر صرف اعتمادات مالية كبيرة للجمعيات التابعة و الموالية و الذيلية على شكل منح دون تتبعها للتأكد من صرفها في الأغراض التي منحت من أجلها ،و رغم التمييز و الحيف الكبير الذين يطالان جمعيات أخرى أكبر سنا و تاريخا و حجما و قيمة و سمعة و حضورا في هذا الباب ،و رغم تعنت ورفض المنتخبين نشر و تمكين التافراوتيين من المعطيات المالية للمجلس في إطار الحق في الوصول إلى المعلومة التي نص عليها الدستور المخزني الممنوح و تنص عليه القوانين المنظمة للمالية المحلية ، و رغم .. و رغم .. فلا أحدا و لا إطارا يحركان ساكنا،
أمام هذا الوضع القاتم لا مناص في اعتقادنا من ضرورة استيقاض و انبعاث المجتمع المدني المحلي من سباته و تخاذله و تحمله لمسؤولياته التاريخية و المجتمعية المعروفة و التي هي على عاتقه ، ولعب دوره الأساسي و المركزي في الدفاع عن المواطنين و قضاياهم الفردية و الجماعية العادلة و المشروعة ، و لعل العمل على المطالبة بإلغاء دورة فبراير 2014 للمجلس البلدي لتافراوت و غيرها من الدورات السابقة و إبطال ما ترتب عنها عبر مراسلة الجهات الحكومية الوصية ، و كذلك مراسلة المجلس الجهوي للحسابات لإيفاد لجنة افتحاص للتحقيق و التحقق في كل ما يروج و يدور داخل أسوار بلدية تافراوت المحتلة ،و للوقوف على أوجه صرف الإعتمادات المالية الضخمة التي منحت للجمعيات التابعة و الموالية للأغلبية المهيمنة داخل المجلس و بالتالي محاسبة كل المخالفين للدستور و القوانين المنظمة لتدبير الشأن العام و كل ناهبي المال العمومي ، و موازاة مع ذلك اتخاذ خطوات نضالية فعالة و خوض أشكال احتجاجية للضغط على الفاسدين و فضحهم أمام الرأي العام المحلي و الإقليمي و الوطني ، لعلها إحدى تلك المسؤوليات و الواجبات و الأولويات التي لا تقبل التستر أو التماطل أو التجاهل.
*فاعل جمعوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق