بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

جيوش المنافقين.. وخريطة الطريق لـ"سقوط السيسي"



خـالد الشـامي
مع اقتراب الإعلان المرتقب عن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة، تتزاحم أبواق إعلامية وحركات سياسية وجماعات ضغط شعبي، بل وتتقاتل، تملقا للرجل الذي ترجح التوقعات انه الرئيس المقبل لمصر. جيوش من ‘المتهافتين’ ينتظرون في السلم الخلفي ‘ساعة الصفر’ التي يدخل فيها السيسي السباق الرئاسي رسميا، لشن ‘الهجوم الكبير’ من الشعارات والأغاني والقصائد والندوات والمؤتمرات والبرامج، في حملة اغراقية من النفاق، سعيا إلى ‘تقديم السبت’ حسب المثل الشعبي المصري، بانتظار جني الثمار والامتيازات التي يجلبها الاقتراب من رأس السلطة.
ومن البديهي انه من حق أي شخص أو حزب أو وسيلة إعلامية أن تقرر دعم مرشح دون آخر، ثم شن حملات الدعاية لإقناع الآخرين بجدارته بالمنصب الأرفع في البلاد، إلا أن هذا ليس ما نتحدث عنه، بل عن حالة لا تتورع عن الترهيب والتخوين، والاغتيال المعنوي للخصوم السياسيين وأنصارهم، ورفع بطاقات الإنذار لقطاع كبير من المتشككين او المترددين الذين ربما أيدوا الثلاثين من يونيو/حزيران، وحتى الثالث من يوليو/تموز إلا أنهم يشعرون بقلق مشروع من التدهور في ملف حقوق الإنسان، وإهمال الحكومة للتعامل مع الهموم الأساسية للمواطنين طوال الأشهر السبعة الماضية، وعلى رأسها ارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة وانهيار التعليم والصحة واستمرار التدهور في ملفات العشوائيات والنقل العام والمرور.
وهذا رصد سريع لملامح هذا المشهد المثير للقلق:


أولا على الجبهة الإعلامية:


لا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ في إحدى الصحف عن ‘رصد اجتماع لممثلي ستة أجهزة مخابرات إقليمية ودولية’، بهدف التآمر لاغتيال السيسي أو منع ترشحه، أو لتقديم الدعم المالي لخصومه ليتمكنوا من هزيمته في الانتخابات.
وهكذا فان أي شخص يعارض ترشح السيسي ‘المفترض انه مجرد مرشح مدني للرئاسة لا يختلف عن غيره من المرشحين’، او يشكك في قدراته الإدارية أو خبرته السياسية، يصبح ‘عميلا’ بالضرورة لتلك الأجهزة المخابراتية، وبالتالي عدوا للوطن.
وحسب نصيحة احد المذيعين ‘الأمنيين’ للمشاهدين، وهو يتحدث عن انتقاد بعض الناشطين للسيسي ‘بلاش حد يلعب بالنار أحسن (…). المطلوب من الناس أن يعقلوا وان يكتفوا بتأييد مرشحهم أيا كان، من دون انتقاد المرشح الآخر’ في إشارة للسيسي، حتى لا يعرضوا أنفسهم لما لا تحمد عقباه (…).
هذا اذن التعريف الجديد للممارسة ‘الديمقراطية’ في نسختها ‘الفلولية’، لكن السؤال البديهي هو: اذا كان انتقاد المرشح السيسي هو من قبيل اللعب بالنار، فبماذا سيكون اللعب اذا تجرأ احد وانتقده بعد فوزه بالرئاسة؟
إن هذه ‘الخدمة الجليلة’ التي يظن ‘معسكر الفلول’ انه يقدمها للرئيس المقبل، عبر ترهيب خصومه السياسيين، وإخراس منتقديه، إنما هي أكبر خطرعلى السيسي نفسه، بل قد تكون خريطة الطريق الأسرع لسقوطه، إن هو تغاضى عن هؤلاء وسمح لهم بمواصلة محاولاتهم اليائسة لإعادة عقارب الزمن للوراء.
وللإنصاف فان العالمين ببواطن الأمور يدركون أن هؤلاء المنافقين إنما يعملون بشكل تطوعي، من دون أن ينتظروا تعليمات أو توجيهات من احد، وربما يكون المشير السيسي نفسه مستاء من إقحامهم لاسمه في برامجهم، إلا أن كونه عسكريا في الخدمة لا يسمح له بالانخراط في سجالات إعلامية أو سياسية. ومع هذا فانه يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن استمرار هؤلاء بالمتاجرة باسمه، وما قد يكون لها من عواقب وخيمة.


ثانيا على الجبهة السياسية:


سارعت عدة شخصيات من المحسوبة على عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى تشكيل كيان سياسي، من الواضح أن أجندته تقتصر على بند واحد هو تأييد ترشيح السيسي للرئاسة، وقدموا أنفسهم بشكل ضمني على أنهم ‘رجال السيسي’، أي ‘حزب الرئيس′. وبالطبع نجح الكيان أو ‘الجبهة’ في جذب ألاف من الطامحين والمشتاقين والمنافقين والمتهافتين والنفعيين. وبعد سكوت من السيسي قرأه البعض على انه نوع من الرضا، أصبح رموز هذه الجبهة مصدرا للأخبار عن المشير تسعى إليهم الفضائيات والصحف، خاصة مع حالة الغموض التي لفت تأخر الإعلان عن ترشحه للرئاسة. وخرج بعض أولئك الرموز أكثر من مرة على الشعب مبشرين بأن السيسي سيعلن ‘خلال ساعات’ عن ترشحه، ومرت أسابيع ولم يحدث ما توقعوه، ما يؤكد أنهم ليسوا سوى مجموعة من المتطفلين على الرجل. وحتى بعد أن أعلن السيسي انه ‘لا عودة للوجوه القديمة’، إلا أنهم مازالوا يصرون على الاستنطاع كـ’مقربين من المشير’ مستغلين علاقاتهم ببعض أعضاء المجلس العسكري السابق.
لقد اخطأ المشير عندما تقاعس عن توصيل رسالة واضحة لهؤلاء بألا يستغلوا اسمه وشعبيته لتحقيق أغراضهم، ما أدى إلى شعور عميق بالإحباط، وربما الغضب لدى الشباب بشكل خاص، وهم يرون الفلول يلتفون على الثورة مجددا، ويحاولون أن يعودوا إلى الصدارة من شباك 30 يونيو بعد أن طردهم الشعب من باب 25 يناير/كانون الثاني.
أما السؤال الذي لم يسأله احد فهو: كيف تسمح الدولة بقيام جبهة سياسية مناصرة لقائد الجيش وهو مازال في الخدمة؟ وما مدى اتساق هذا مع التعهدات بالحفاظ على المؤسسة العسكرية بعيدا عن المستنقع السياسي؟
وما الذي يعنيه الصمت على هكذا جبهة بالنسبة لقدرة السيسي على التقدير في القضايا السياسية بالنظر إلى الضرر الذي لحق بصورته جراء نجاح هؤلاء في إلصاق اسمه بكيانهم المثير للجدل؟


ثالثا على جبهة العمل الشعبي:


كانت الجمعية العامة لما يسمى بحركة ‘تمرد’ وما شهدته من مواجهات ومهاترات، مشهدا مأساويا في دلالته على تحول ‘العمل الثوري’ إلى وسيلة للاسترزاق والابتزاز، باسم الوطن والشعب، بعد أن انقسمت قياداتها على أساس المصالح الشخصية بين مؤيدين لحمدين صباحي وداعمين للسيسي. فهذه الحركة التي تمكنت من ركوب موجة الغضب الشعبي ضد حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو، للمطالبة بانتخابات مبكرة، سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي، عندما ضحت بوحدتها، بل ووجودها نفسه من أجل نصيب من ‘كعكة السلطة’، بالانحياز إلى ‘الحصان الرابح’ مقدما، وحتى قبل أن يعلن ترشحه أو يقدم برنامجا انتخابيا واضحا ينحاز فيه إلى مطالب الشعب أو الثورة التي يفترض أنهم من اجلها طالبوا بسقوط حكم الإخوان. ولا يعرف احد تحت أي مسمى قانوني يمكن وضع هذه الحركة أو هذا التنظيم النفعي المتسلق، خاصة بعد أن قررت الحكومة حل جماعة الإخوان وأي حركات أخرى تعمل خارج إطار القانون.
إن استمرار هذه المعايير المزدوجة في التعامل الحكومي مع التنظيمات بناء على موقفها من السلطة أو الرئيس المقبل، يمثل عودة كارثية لأساليب عهد الرئيس المخلوع التي كانت من بين الأسباب الرئيسية لسقوطه.
وبالإضافة الى ‘تمرد’، ووسط أجواء من الفوضى شبه الهستيرية، تجد حملات شعبية مثل ‘كمل جميلك’، و’بأمر الشعب’ وغيرهما من التي تزعم جمع ملايين التوقيعات المؤيدة للسيسي، بل إن بعضها يقول أنه يحمل تفويضا رسميا من السيسي لجمع التوكيلات اللازمة لترشيحه، ما يفتح الباب أمام عمليات النصب والابتزاز باسم الرئيس المقبل.
فيا لها من بداية، ويا لها من جيوش للنفاق وجبهات للاسترزاق تعمل بدأب شديد على الإساءة للرجل الذي لا يحتاج إليها أصلا من اجل مصالحها الضيقة.
وأخيرا فان ما يحتاجه المشير السيسي هو أن يدرك أن السكوت على هؤلاء هو اللعب بالنار حقا، وهو الخطوة الأولى للسقوط وليس للنجاح، وان الشعب المصري لن يقبل أن يكتفي بالفرجة في ما يعمل البعض على خلق ديكتاتور جديد.
لقد أصبح الأمر يتطلب وقفة حازمة. فإذا كان السيسي مرشحا للرئاسة عليه أن يستقيل فورا وان يبلغ الشعب رسميا بهذا، بدلا من أن تأتي أنباء الترشح من موسكو أو الكويت، ثم عليه أن يضع النقاط على الحروف بالتبرؤ الكامل من هذه الحركات والجبهات والأبواق الفلولية النفعية المتهافتة. وإلا فان عليه ان يتحمل المسؤولية. وقديما قال احدهم أن العقل هو معرفة ما سيكون بما قد كان.


كاتب مصري

ليست هناك تعليقات: