"المغرب يعرف فوارقَ مجاليّة كبيرة، من ناحية توزيع الدخل ما بين الجهات؛ الفرق ما بين جهة الحسيمة ـ تازة ـ تاونات ومدينة الدار البيضاء، مثلا، يصل 1 إلى 3، وهذا غير طبيعي، كما أنّ الفوارق ما بين الفئات الاجتماعية كثيرة جدا، ما بين الفئات الأكثر فقرا، والفئات الأكثر غنى، وتصل إلى ما بين 1 و 60، وهذه قنابل موقوتة يجب معالجتها".
هذه الخلاصة للوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم في المغرب ليست لأحدِ قادة أحزاب المعارضة، أو أحدِ زعماء النقابات، بل هي خُلاصة للقيادي في حزب التقدم والاشتراكية، وعضو مكتبه السياسي، عبد السلام الصديقي، الذي تمّ تعيينه وزيراً التشغيل والشؤون الاجتماعية في حكومة بنكيران الثانية.
كلام الصديقي، جاء خلال أولى الندوات التي عقدها حزبه بمدينة الدار البيضاء، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسه، وكانت تحت عنوان "المجتمع المغربي بين الأمس واليوم". وقال الصديقي، الذي حرص على التحدث بصفته عضوا في المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إنّ المجتمع المغربي شهد تطوّرا عميقا، في ظل الطفرة التكنولوجية والإعلامية التي عرفها العالم في الآونة الأخيرة، معتبرا أنّ "مغرب اليوم يختلف تمام الاختلاف عن مغرب الأمس، دون أن تكون هناك قطيعة بين الأمس واليوم، من حيث البِنْية الاقتصادية والاجتماعية والمؤسّساتية".
فمن الناحية الاقتصادية، يقول الصديقي، كان المغرب يعتمد على الإنتاج الفلاحيّ، الذي كان يمثل 40 بالمائة من الناتج الداخلي، والآن لم يعد يمثل سوى 14 بالمائة، بعد أن تضاعف الإنتاج الصناعيّ الذي يكاد يكون منعدما في بداية الاستقلال، وأصبح اليوم يمثل، رغم محدوديته، 19 في المائة الإنتاج الداخلي، إضافة إلى تطوّر القطاع البنكيّ.
على صعيد بِنية المجتمع، قال عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية، إنّ التطور الديمغرافي الذي شهده المغرب، ونسبة التمدّن، حيث انتقل عدد سكان الحواضر من 30 بالمائة سنة 1961، إلى ما بين 55 و 60 بالمائة في الوقت الراهن، صاحبته تناقضات عدّة، ساهمت في "تشوّهات" طالت المدن، "التي تتميز ببنية متوسّطة، أو لاَ بأس بها"، وتتجلى على الخصوص في إقامة أحياء الصفيح جوارَ المدن، "وهذا من تناقضات التطور التي واكبت التغيير الذي عرفه المغرب".
وعلى الصعيد السياسي، عاد الصديقي إلى "سنوات الرصاص" قائلا إنها استمرّت إلى غاية السبعينيات، "ثمّ تلاها انفراج نسبيّ"، وأضاف، متحدّثا عن الانتخابات، "في الماضي كانت صناديق الاقتراع تُسرق، وتُحدّد الخريطة الانتخابية والنتائج في وزارة الداخلية، الآن لا تمرّ الانتخابات بصفة نزيهة 100 بالمائة، بسبب استشراء شراء أصوات الناخبين من طرف أباطرة الانتخابات"، واصفا المرحلة التي يمرّ منها المغرب راهنا بـ"بداية المراحل الأولى للبناء الديمقراطي".
وبخصوص الفاعلين الاقتصاديين، قال الصديقي "إنّ البورجوازية المغربية منفتحة وليبرالية، تدافع عن مصالحها وتحترم التشريعات والقانون"، قبل أن يستدرك بأنّ 2 بالمائة من الشركات هي التي تؤدي 80 بالمائة من الضرائب، فيما الأغلبية الساحقة من الشركات لا تؤدي ما بذمتها من الضرائب، لكونها، على حدّ تعبيره "لا تتمتع بالمواطنة الضريبية، وهذه تسمى البورجوازية المتخلفة".
وحسب ما يبدو، فإنّ وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، على اطلاع شامل بأحوال الطبقة العاملة في المغرب، إذْ قال إنّ ما بين 65 و 70 بالمائة من العمّال يعيشون وضعية اجتماعية هشّة، بسبب عدم استفادتهم من حقوقهم الاجتماعية.
وقال الصديقي في هذا الصدد "الطبقة العاملة المغربية تتشكل من عشرة ملايين من الساكنة النشيطة، منهم حوالي مليون ونصف يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية و 65 إلى سبعين بالمائة من العمال يعيشون في وضعية هشّة"، مضيفا "هذه من الإشكالات العميقة التي يجب أن تعالج، وذلك انطلاقا من معالجة أسبابها الجذرية، عبر الانطلاق من علاقات إنتاج عصرية، والخروج من العلاقات الإنتاجية التقليدية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق