بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 مايو 2013

سيكولوجية أهل التخاذل


عبدالرحيم شهبي
أهل التخاذل والمساومة "يقبلون بطبيعتهم إستراتجية إعمال المفتاح
الخاطئ في القفل الخاطئ ولو لقرن آخر!".. ويواصلون "استراتجيات الحرث في البحر"، ويرمون شباكهم في الصحاري، ولذلك فهم لا يجنون سوى الزبد والسراب.. وفي المقابل يتعامل معهم الطغاة "بالتشجيع ليتكاثروا كما تتكاثر الجراثيم، لأنهم يمثلون البيئة الطبيعية للاستبداد والفساد"..
ويسميهم خصومهم ب"المستسلمين"، لأنهم سلموا قدرهم للطغاة، وإذا قضى الطغاة أمرا ما كان لهم من خيرة، وما كان لهم من تقديم أو تأخير أو إبرام، ينتظرون، وقد رفع عنهم ساداتهم حرج الاقتراح و مشقة التشارك، فإذا قال السادة قولا، أو أصدروا بلاغا، أو أداعوا خطبة، أو دبجوا ظهيرا، خرج هؤلاء "المستسلمون الحكماء" من جحور دكاكينهم السياسية المغلقة ليملئوا القطب المتجمدة هتافا وضجيجا..
ويسميهم البعض ب"أهل الانبطاح"، لأنهم كائنات رخوية ، بدون فقرات، تساعدهم على القيام والانتصاب.. لا تتقن سوى التصفيق والانحناء، فهم يشبهون "شخشية المتكرس" الانتهازية كما هي في رسومات ناجي العلي الرائعة.
ويسميهم البعض ب"أهل الالتقاط"، لأنهم بارعون في التقاط فتات السلطان، ومبدعون في تحويل الحبة إلى قبة، والممنوح إلى ممدوح، ويطلقون لأنفسهم العنان، ويعلنون مواسم الغبار، كلما بلغ الوطن السكتة القلبية، أو هبت عليه رياح ثورية، فناور من بيده العقد والأمر، وتقدم نصف قدم إلى الأمام، ليعود القهقرى بعدها خطوات إلى الوراء، فأطلق الخطابات الكاذبة والوعود الزائفة في كل مكان، فإذا بهم يهتفون:" يا سلام! لقد حول ماء البحر إلى عصير برتقال!"..
أهل الالتقاط هؤلاء يعيشون على التسول السياسي أيديهم ممدودة، ورؤوسهم منكوسة.. يدافعون عن خديعة الاستثناء وخديعة الاستقرار.. هذا الطريق ليس في نهايته إلا الإخفاق والمرارة.. فليخرجوا من جهلهم المركب، وليعلموا انه لا ديمقراطية بثلث استقلالية قضاء وربع حرية صحافة وخمس حرية انتخاب، كفى من هذا الغباء، فهذه حقوق غير قابلة للتصرف.
ويسميهم البعض ب"الوقوعيين" لأنهم رفعوا الواقع الرديء إلى مصاف التوابث والمقدسات، كل شيء عندهم يقاس بموازين القوى، ونسوا موازين الإرادات، فأضاعوا القضية!.. لقد سعوا وراء كل يسير ورخيص ومبتذل، شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو أوصلهم ذلك إلى جحر "برلمان شكلي"، أو "حكومة محكومة" بدون حكم، لدخلوه وهم يتخايلون!.. ويجهلون جهلا مركبا بأن: "بالصعب يكون السهل، وبالسهل يكون الصعب"..
لقد كان الواقع عندهم في البداية خيار ضرورة، ثم صار في التالي موازنة راجحة، ليصير خيارا استراتيجيا ثالثا وعاشرا، فالواقع عندهم لا يرتفع، وموازينه لا تندفع!.. ولم يبق في أيديهم سوى "مزاحمة" القاذورات السياسية ليمتصوا كالإسفنجة انتهازيتها وتزلفها، ليستوي الجميع في مسلسل الانحدار والانكفاء..
ويسميهم البعض ب"أهل المساومة"،لأنهم يتقنون فن التجارة السياسية.. وإفشال الثورات في الربع الساعة الأخيرة، وارتداء لباس الحكماء، ليوهموا المريدين أنهم أهل العلم اللدني، والصفاء الروحي، بهم يجمع الشمل، ويلم الشعث، ولولاهم لاحترق الأخضر واليابس!..
ويسميهم البعض ب"الطابور الخامس"، لأنهم دائما وأبدا وفي كل الأحوال، يمثلون "قاعدة إسناد" للاستبداد، فهذه لازمة يحفظونها عن ظهر قلب، ومن نسيها سقط من العربة، وداسته عجلاتها الأربعة!..
ويبدع آخرون فيطلقون عليهم لقب "الاصطفائيين" و"البارشوك السياسي" لأن لسان حالهم في وقت الأزمات، يتنادى:" شب حريق هيا نطفؤه"!.. بينما يرفع البعض السقف فيسميهم ب"البلطجية والفلولية السياسية"، مختصرا الطريق، بعدما ضاقت العبارات وعجزت القواميس، وصار فعل التخاذل أكبر من كل الكلمات!
الجديدة:16-05-2013

ليست هناك تعليقات: